ما هي الصدقة الجارية؟
هل رغبت يومًا في أنْ تكسب الثواب وتقوم بمساعدة المحتاجين والفقراء باستمرار؟ يمكنك ذلك عن طريق الصدقة الجارية، لكن ما هي الصدقة الجارية؟
تخيل أنك قمتَ باستثمار أموالك في مشروع يدرّ عليك الدخل بشكل مستمر، ليكون استثمارك في رأس المال مرة واحدة، لكن الدخل يستمر طالما بقي هذا المشروع مستمراً، هذا بالضبط ما يحدث في الصدقة الجارية، حيث تستثمر جزءًا من أموالك لتأمين صدقة تتّصف بالاستمرارية والاستدامة، ويكون هذا الاستثمار لمرة واحدة فقط، لكن الثواب يبقى ويدوم طويلًا.
وهنا تكمُن أهمية الصدقة الجارية، حيث تمكّنك من تقديم مساعدة طويلة الأجل للمحتاجين، وطالما استمرّتْ الاستفادة وتقديم العون، سيستمر الأجر والثواب، كما تزداد قيمة هذه الصدقة بمرور الوقت.
الصدقة والزكاة مفاهيم ترتبط بفروض أو سنن الإسلام، ولها أهمية بالغة في تأمين معيشة ملائمة وكريمة للفقراء والمحتاجين. وللصدقة أنواع، منها الصدقة الجارية، وهي ما سيتناوله هذا المقال في السطور القادمة.
معنى الصدقة الجارية
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم.
الصدقة بالأساس هي إنفاق تطوّعي لسدّ احتياجات الفقراء والمحتاجين، أو في أي مخرج من مخارج الزكاة بشكل عام، لكن بعد إخراج الزكاة المفروضة شرعًا.
وقد يقوم الفرد المسلم بإخراج الصدقة، حتى لو لم يستوفِ شروط وجوب الزكاة، فلا يوجد نصاب معين من الأموال أو المدّخرات التي توجب الصدقة، ذلك بعكس الزكاة التي ترتبط بشروط حدّدها الإسلام بدقة؛ فالصدقة تتوقف على رغبة المسلم في الإنفاق بشكل طوعي، وقدرته على هذا الإنفاق، والذي يجب أنْ يكون دومًا بنيّة التصدّق طلبًا للأجر والثواب من الله.
والصدقة الجارية هي نوع من أنواع الصدقات التي تتّسم بالاستمرارية، حيث يمكن تصنيف الصدقة بأنها جارية إذا كان تأثيرها مستمرًا، سواء كانت أرضًا تطرح زرعًا كل فصل زراعي، أو كانت بئرًا أو صنبورًا لسقاية الناس، أو وقفًا يُنفَق على الفقراء من ريعه بشكل مستدام.
إذاً، الصدقة الجارية صدقةٌ يتم استثمار المال فيها مرة واحدة، لكن تأثيرها واستفادة المحتاجين منها تظل ممتدة ومستمرة لا تنقطع على المدى الطويل، وهي تشبه بشكل كبير فكرة الوقف الخيري، لكن تختلف في النيّة؛ إذ تكون نية المسلم المُتصدّق هي إنفاق المال طلبًا لرضى الله وثواب الصدقة.
وقد ذكرتْ دائرة الإفتاء في المملكة الأردنية الهاشمية في شرح الصدقة الجارية ما يلي: "الوقف شرعاً: حبس مال يمكن الانتفاع به، مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته، على مصرف مباح موجود. والصدقة الجارية محمولة عند العلماء على الوقف كما قاله الرافعي، فإنّ غيرها من الصدقات ليست جارية، بل يملك المتصدق عليه أعيانها ومنافعها ناجزًا، وأما الوصية بالمنافع وإن شملها الحديث فهي نادرة، فحمل الصدقة في الحديث على الوقف أولى".
متى يتم التبرع بالصدقة الجارية؟
الصدقة الجارية ترتبط باحتياج الفقراء والمحتاجين، وقدرة المُتصدّق على الإنفاق في سبيل الله، حيث لا يوجد وقت محدد للتبرع بالصدقة الجارية، وذلك عكس الزكاة المفروضة.
ولكون الصدقة جارية، يستمرّ تأثيرها على المدى الطويل بلا انقطاع. وبناءً عليه، ترتبط الصدقات الجارية بالاستمرارية والتأثير طويل الأمد، لكنها لا ترتبط بموعد محدّد، حيث يمكن للمسلم التصدّق في أي وقت طوال العام.
قيمة وحساب الصدقة الجارية
ليس للصدقة بشكل عام، ولا للصدقة الجارية بشكل خاص، أي قيمة محددة، وعليه: ما مِن طريقة محددة يجب اتباعها من أجل حساب الصدقة الجارية. إنّ ما يحدّد قيمة الصدقة الجارية ليس إلا قدرة المسلم على التصدّق وإنفاق المال. ولا ترتبط الصدقة بشرط بلوغ المدّخرات الشخصية قيمة محددة بعكس الزكاة، وهنا تكمن مرونة إخراج الصدقات؛ إذ تتوقّف قيمة الصدقة الجارية على قدرة واستعداد المسلم للإنفاق، والأموال المطلوبة لتأسيس أو شراء مستلزمات هذه الصدقة الجارية.
على سبيل المثال، عند تخصيص قطعة أرض زراعية كصدقة جارية لإخراج حصاد زرعها للفقراء، فكل ما يتوجّب على المُتصدّق فعله هو توفير قيمة الأرض. ويمكن لأكثر من مسلم المشاركة في توفير هذه القيمة، بدون حد أدنى أو أقصى للمساهمة، حيث يشارك كل امرئ مسلم فيها بمقدار قدرته على الإنفاق ورغبته فيه.
من يجب عليه إخراج الصدقة الجارية؟
لا يجب على المسلم إخراج الصدقة، لكن يُستحبّ ذلك لأهميتها البالغة في استقرار المجتمع، وتحقيق مبدأ التكافل، إضافة إلى الثواب العظيم الذي يكافئ الله به المُتصدّقين.